ملخص الخطبة
وجوب تعلق قلب المؤمن بالله وحده – الإنسان يتعلق قلبه بالسحرة والكهنة وأمثالهم عند ضعف إيمانه – حقيقة السحرة والدجالين , ومن السحر المذموم ما يفعله أرباب البلاغة والبيان من قلب الباطل حقاً , من أصحاب الأدب الهدَّام والإعلام الخبيث – سبيل النجاة من الدجالين وأمثالهم – بشارتان للمرأة الصالحة : 1- أسباب دخول المرأة الجنة كما في الحديث 2- جهاد المرأة وشهادتها , وقيامها بتربية أولادها ورعاية بيتها وفضل ذلك
الخطبة الأولى
أما بعد: قال الله تعالى: أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام [الزمر: 36-37].
إن المؤمن الموحد يكون قلبه دائمًا متعلقًا بالله ربه وإلهه وسيده ومولاه الذي هو رب كل شيء ومليكه ولأجل ذلك فإنه سبحانه وتعالى يكفيه ويحفظه ويتولاه، فمن تولاه الله هل يخاف من دونه، من تولاه الله الإله العظيم القادر الذي بيده تصريف الأمور بيده كل شيء وهو على كل شيء قدير. من تولاه الله هل يخاف ممن دونه، ألا يكفيه أن الله عز وجل يحميه ويرعاه: "أليس الله بكاف عبده" ولكن الإنسان إذا ضعف إيمانه وانطمست بصيرته فإنه يتوجه قلبه ويتعلق قلبه بمن دون الله.
يتعلق قلبه بالسحرة والكهنة والمنجمين لما يرى من جريان بعض الأمور على أيديهم مما يظنه من الخوارق، وحقيقة أمر هؤلاء أنهم يستعينون بشياطين الجن فيتراكب هؤلاء أي يركب بعضهم على كتف بعض حتى يسترقوا السمع من السماء فإذا سمع الشيطان خبرًا من السماء ألقاه إلى الكاهن فيضيف إليه الكاهن مائة كذبة ولكن الناس يصدقونه بسبب ذلك الخبر ولا يكذبونه بالمائة كذبة.
ولقد كان هذا الأمر مستفحلاً في الجاهلية. كان في كل حي من أحياء العرب كاهن كما أخبر بذلك جابر رضي الله عنه.
ثم ببعثة خاتم النبيين محمد حُرست السماء مُلئت حرسًا شديدًا وشهبًا تكريمًا لبعثة رسول الله ، فبعد ذلك قل من يسترق السمع من شياطين الجن، وإذا استرقوا السمع فقل من يسلم منه من الشهاب الثاقب.
لكن قد يسلم بعضهم فيلقي بالخبر إلى الكاهن ولذلك لا نزال نجد اليوم كهنة وسحرة ومنجمين يخبرون ببعض المغيبات ولكن المؤمن مأمور بألا يصدقهم فيما يخبرون ولا يعول عليهم فيما يقولون إنهم إذا صدقوا مرة يكذبون مائة مرة.
كما أخبر بذلك الصادق الأمين فكيف يصدقهم بعد ذلك مؤمن موحد كيف يعول على أقوالهم وأخبارهم ونصائحهم وبعض أرباب البلاغة والبيان مثل هؤلاء السحرة والكهنة والمنجمين.
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إن من البيان لسحرًا))[1] هذا ذم من النبي لبعض أنواع البيان. هذا البعض الذي تزيف فيه الأمور ويقلب فيه الحق باطلاً والباطل حقًا ليس هذا مدحًا كما تخيله بعض الناس.
كيف يكون مدحًا وقد شبهه الرسول بشيء محرم مذموم شبهه بالسحر والسحر أمر محرم مذموم، والمشبه تبع للمشبه به.
ثم إن سبب هذا الحديث أن رجلين من المشركين من أهل المشرق قدما إلى النبي فوقف كل منهما بين يديه خطيبًا يخطب بين يدي النبي فإذا خطب مشرك ماذا سيصدر منه إلا الفخر والخيلاء والباطل.
ولكن أُعجب السامعون بفصاحتهما فقال النبي قولته هذه: ((إن من البيان لسحرًا)) فهل يكون بذلك قد مدح الباطل الذي صدر من هذين المشركين.
كلاّ وألف كلاّ إنما أراد النبي أن ينبه السامعين الذين أعجبوا بفصاحة هذين الشاعرين المشركين إلى أن هذا البيان هو من أنواع البيان الذي يشبه السحر في قلبه للحقائق وتزييفه للأمور.
السحر يزيف الأمور ويقلب الحقائق ولكنه لا يغيرها هو أعجز من أن يغير حقائق الأشياء إنما يخيل للناس أنها تغيرت، يخيل إليهم الشيء الذي لا حقيقة له ويخيل إليهم تغيير حقيقة الشيء وهو لم يتغير، فسحرة فرعون حبالهم وعصيهم لم تنقلب إلى أفاعي وثعابين تسعى لم تتغير حقائقها بقيت حبالاً وعصيًا ولكن خيل للناس الحاضرين يومئذ ومنهم موسى عليه السلام أنها كذلك، أثر السحرة في أعينهم وفي مخيلاتهم. قال تعالى: فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى [طه:66] "يخيل إليه" أي إلى موسى فكيف بغيره، يخيل إليه أنها تسعى وليس كذلك هذا هو معنى قول "يخيل إليه" أي أن حقائق تلك الأشياء لم تتغير بفعل سحر السحرة فإن الساحر لا يفلح حيث أتى.
كذلك بعض أنواع البيان الذي يعني أصحابه بتنميقه وتذويقه وترتيبه وزخرفته يزيفون به الأمور ويحاولون قلب الحقائق والتأثير على السامعين.
ماذا يصنع الأدب الهدام في عصرنا الحديث غير هذا، القصص الهدامة وقد امتلأت بها الأشواق، الشعر الهدام وقد زودت به صفحات الجرائد والمجلات والدواوين ماذا يفعل الأدب الهدام الحديث غير هذا، ماذا يفعل الإعلام في العصر الحديث غير هذا. كثير من الناس يستمعون إلى بعض الإذاعات الأجنبية ويصدقونها ويصدقون أخبارها ويعجبون ببرامجها لأنها صدقت مرة، أو صدقت في بعض المرات يصدقونها من أجل ذلك ويعقلون عن المائة كذبة بل عن مئات الأكاذيب التي تدسها تلك الإذاعات الأجنبية.
فدسها بمهارة وإتقان ومكر وخبث للتأثير على السامعين لتزييف الأمور وقلب الحقائق على السامعين. بعض الإذاعات الأجنبية لا تسمي المجاهدين في أفغانستان مجاهدين، إن أعدائنا يحرصون على أن ينسى المسلمون حتى اسم الجهاد واسم المجاهدين فلذلك تحرص تلك الإذاعة الأجنبية على أن تسمي المجاهدين في أفغانستان المناوئين للحكومة الأفغانية.
وفي هذا الوصف ما فيه من الإيحاءات الخفية إنه نفث كنفث الكهنة والسحرة والمنجمين، فيه ما فيه من الإيحاءات الخبيثة التي يريدون أن يدسوها في نفوس السامعين يؤثرون على نفوس السامعين بمثل هذه الأساليب الماكرة الخبيثة.
فيا أيها المؤمن الموحد ليكن إيمانك عاصمًا لك من الوقوع في شباك هؤلاء وأولئك اقرأ كتاب الله عز وجل وافهم معانيه وتعلم سنن المصطفى وتفقه في أمور دينك يحميك الله ويكفيك من كل هؤلاء الطواغيت طواغيت الكهان وطواغيت البيان، سماسرة الأدب الهدام ودهاقنة الإعلام الهدام لا تصدق طواغيت الكهان ولا تصدق طواغيت البيان.
كيف تصدقهم وهم إن صدقوا مرة يكذبون مائة مرة.
كيف تصدقهم وهم أعداؤك، أعداء الإيمان الذي في قلبك أعداء هذا الدين الذي جاء به نبيك سيدنا محمد .
إنهم أعداء المصطفى يقول الرب عز وجل: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون [الأنعام:112].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] صحيح البخاري (5146)
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فقد ذكرنا في الجمعة الماضية البشارة للمسلمات الصالحات بشارة النبي وهي قوله فيما رواه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال : ((إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئتِ))[1] صدق النبي .
فهذه الأمور الأربعة إذا أفلحت المرأة المسلمة في المحافظة عليها وأفلحت في أدائها أفلحت في جميع أمورها وسائر حياتها لم يذكر النبي من الفرائض إلا هاتين الفريضتين الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وليس معنى ذلك أن باقي الفرائض لا تدخل في ذلك إنما نص النبي على الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان لأن هاتين الفريضتين تجبان على جميع النساء يشترك فيهما سائر النساء مع الرجال بخلاف الزكاة مثلاً فهي إن كانت مفروضة على الرجل والمرأة إلا أنها لا تجب إلا على من ملكت مالاً بلغ النصاب وحال عليه الحول.
والحج والعمرة وإن كانا واجبين إلا أنهما لا يلزمان المرأة إلا إذا قدرت على نفقتها ووجدت محرمًا يسافر معها. ولذلك اكتفى الرسول بذكر تلك الفريضتين الواجبتين على سائر النساء.
فإذا أدت المرأة المسلمة الصلوات الخمس ولم تضيعهن وصامت شهر رمضان ولم تضيع هذه الفريضة، وإذا بالغت في أسباب العفاف وصانت نفسها ليس عن الزنا والفواحش فحسب بل حتى عن أسبابها ودواعيها المؤدية إليها وإذا قامت بحق زوجها حق القيام وإذا رعت حياته الزوجية أحسن الرعاية فإنها من أهل الجنة ببشارة النبي ولا شك أن كل من وفقت إلى هذه الأمور الأربعة فإنها ستوفق إلى باقي خصال الخير.
وإليك أيتها المسلمة الصالحة البشارة الثانية من النبي فإن المرأة المسلمة الصالحة إذا كان الإسلام لم يتح لها ما أتاح للرجل من فضل الجهاد والقتال في سبيل الله عز وجل، بل منعها عن ارتياد كثير من المجالات التي شرعها للرجل فإنه اعتبرها وهي في مجالها الرئيسي إذا قامت به أحسن القيام إذا قامت به خير قيام مثل ذلك الرجل المجاهد المرابط في الأجر والثواب.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي قال: ((إن المرأة في حملها إلى وضعها إلى فصالها كالمرابط في سبيل الله فإن ماتت فيما بين ذلك فلها أجر الشهيد)). وقد ورد في حديث آخر: ((أن التي ماتت في النفاس من الشهداء))[2].
هذه هي البشارة الأخرى من النبي للمرأة المسلمة الصالحة في مجالها الأساسي مجال بناء الأسرة ورعاية النشء والصغار. وهي تكابد ما تكابد وخاصة في هذه الفترة التي نص عليها الرسول تكابد فيها من المشاق والتعب والنصب إذا أحسنت نيتها في ذلك واتقت الله عز وجل وأحسنت القيام بمهامها التي من أجلها خلقها الرب عز وجل، فما الفرق بينها وبين ذلك الرجل المجاهد في سبيل الله المرابط في مجاله وميدانه على ثغرة من ثغور المسلمين.
إذا كان هذا الرجل مجاهدًا في سبيل الله مرابطًا على ثغرة فهذه المرأة أيضًا مرابطة على ثغرة كلاهما مرابط مجاهد في ثغرته وفي جبهته، إذا أحسن النية واتقى الله في القيام بمهمته فهما سواء في الأجر والثواب.
فيا أيتها الأخت المسلمة الصالحة إنك وأنت تؤدين مهمتك هذه في حملك وفي وضعك وفي فصالك وفي رعايتك لأسرتك في بنائك لأسرتك في رعايتك لنشئك الصغار أنت في ذلك كالمجاهد في سبيل الله في أفغانستان، وفي فلسطين أو في الفلبين أو في غير ذلك من ثغور المسلمين، أنت في ذلك كالمجاهد في سبيل الله في الأجر والثواب سواء. هذا هو معنى كلام المصطفى النبي .
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار.
واعلموا أن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة ومنهج الصحابة الأخيار رضوان الله عليهم أجمعين.
يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تُدان.
ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا [الأحزاب:56].
وقال : ((من صلى علىّ واحدة صلى الله عليه بها عشرًاْ))[3]
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علىَّ وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.